كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الحادية والثلاثون: لا يمكن القطع بأنها حصلت بالاصطلاح، خلافاً للمعتزلة، واحتجوا بأن العلم بالصفة إذا كان ضرورياً كان العلم بالموصوف أيضاً ضرورياً، فلو خلق الله تعالى العلم في قلب العاقل بأنه وضع هذا اللفظ لهذا المعنى لزم أن يكون العلم بالله ضرورياً وذلك يقدح في صحة التكليف، وأجيب عنه بأنه لِمَ لا يجوز أن يقال: إنه تعالى يخلق علماً ضرورياً في القلب بأن واضعاً وضع هذا اللفظ لهذا المعنى من غير أن يخلق العلم بأن ذلك الواضع هو الله تعالى؟ وعلى هذا التقدير فيزول الإشكال.
المسألة الثانية والثلاثون: لما ضعفت هذه الدلائل جوزنا أن تكون كل اللغات توقيفية وأن تكون كلها اصطلاحية، وأن يكون بعضها توقيفياً وبعضها اصطلاحياً.
المسألة الثالثة والثلاثون: اللفظ المفرد لا يفيد البتة مسماه لأنه ما لم يعلم كون تلك اللفظة موضوعة لذلك المعنى لم يفد شيئاً، لكن العلم بكونها موضوعة لذلك المعنى علم بنسبة مخصوصة بين ذلك اللفظ وذلك المعنى، والعلم بالنسبة المخصوصة بين أمرين مسبوق بكل واحد منهما فلو كان العلم بذلك المعنى مستفاداً من ذلك اللفظ لزم الدور. وهو محال، وأجيب عنه بأنه يحتمل أنه إذا استقر في الخيال مقارنة بين اللفظ المعين والمعنى المعين فعند حصول الشعور باللفظ ينتقل الخيال إلى المعنى، وحينئذٍ يندفع الدور.
المسألة الرابعة والثلاثون: والإشكال المذكور في المفرد غير حاصل في المركب؛ لأن إفادة الألفاظ المفردة لمعانيها إفادة وضعية، أما التركيبات فعقلية، فلا جرم عند سماع تلك المفردات يعتبر العقل تركيباتها ثم يتوصل بتلك التركيبات العقلية إلى العلم بتلك المركبات، فظهر الفرق.
اللفظ يدل على المعنى الذهني لا الخارجي.
المسألة الخامسة والثلاثون: للألفاظ دلالات على ما في الأذهان لا على ما في الأعيان ولهذا السبب يقال: الألفاظ تدل على المعاني، لأن المعاني هي التي عناها العاني، وهي أمور ذهنية، والدليل على ما ذكرناه من وجهين:
الأول: أنا إذا رأينا جسماً من البعد وظنناه صخرة قلنا إنه صخرة، فإذا قربنا منه وشاهدنا حركته وظنناه طيراً قلنا إنه طير، فإذا ازداد القرب علمنا أنه إنسان فقلنا إنه إنسان، فاختلاف الأسماء عند اختلاف التصورات الذهنية يدل على أن مدلول الألفاظ هو الصور الذهنية لا الأعيان الخارجة.
الثاني: أن اللفظ لو دل على الموجود الخارجي لكان إذا قال إنسان العالم قديم وقال آخر العالم حادث لزم كون العالم قديماً حادثاً معاً، وهو محال، أما إذا قلنا إنها دالة على المعاني الذهنية كان هذان القولان دالين على حصول هذين الحكمين من هذين الإنسانين، وذلك لا يتناقض.
المسألة السادسة والثلاثون: لا يمكن أن تكون جميع الماهيات مسميات بالألفاظ، لأن الماهيات غير متناهية، وما لا نهاية له لا يكون مشعوراً به على التفصيل، وما لا يكون مشعوراً به امتنع وضع الاسم بإزائه.
المسألة السابعة والثلاثون: كل معنى كانت الحاجة إلى التعبير عنه أهم، كان وضع اللفظ بإزائه أولى، مثل صيغ الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، والدليل عليه أن الحاجة إلى التعبير عنها ماسة فيكون الداعي إلى ذلك الوضع كاملاً، والمانع زائلاً، وإذا كان الداعي قوياً والمانع زائلاً، كان الفعل به واجب الحصول.
المسألة الثامنة والثلاثون: المعنى الذي يكون خفياً عند الجمهور يمتنع كونه مسمى باللفظ المشهور، مثاله لفظة الحركة لفظة مشهورة وكون الجسم منتقلاً من جانب إلى جانب أمر معلوم لكل أحد، أما الذي يقول به بعض المتكلمين وهو المعنى الذي يوجب ذلك الانتقال فهو أمر خفي لا يتصوره إلا الخواص من الناس، وإذا كان كذلك وجب أن يقال: الحركة اسم لنفس هذا الانتقال لا للمعنى الذي يوجب الانتقال وكذلك يجب أن يكون العلم اسماً لنفس العالمية، والقدرة اسماً للقادرية، لا للمعنى الموجب للعالمية والقادرية.
المعنى اسم للصورة الذهنية:
المسألة التاسعة والثلاثون في المعنى: المعنى اسم للصورة الذهنية لا للموجودات الخارجية لأن المعنى عبارة عن الشيء الذي عناه العاني وقصده القاصد، وذاك بالذات هو الأمور الذهنية، وبالعرض الأشياء الخارجية، فإذا قيل: أن القائل أراد بهذا اللفظ هذا المعنى، فالمراد أنه قصد بذكر ذلك اللفظ تعريف ذلك الأمر المتصور.
المسألة الأربعون: قد يقال في بعض المعاني: إنه لا يمكن تعريفها بالألفاظ، مثل أنا ندرك بالضرورة تفرقة بين الحلاوة المدركة من النبات والحلاوة المدركة من الطبرزذ، فيقال: إنه لا سبيل إلى تعريف هذه التفرقة بحسب اللفظ، وأيضاً ربما اتفق حصول أحوال في نفس بعض الناس ولا يمكنه تعريف تلك الحالة بحسب التعريفات اللفظية، إذا عرفت هذا فنقول: أما القسم الأول: فالسبب فيه أن ما به يمتاز حلاوة النبات من حلاوة الطبرزذ ما وضعوا له في اللغة لفظة معينة، بل لا يمكن ذكرها إلا على سبيل الإضافة، مثل أن يقال حلاوة النبات وحلاوة الطبرزذ، فلما لم توضع لتلك التفرقة لفظة مخصوصة لا جرم لا يمكن تعريفها باللفظ، ولو أنهم وضعوا لها لفظة لقد كان يمكن تعريفها باللفظ على ذلك التقدير، وأما القسم الثاني: وهو أن الإنسان إذا أدرك من نفسه حالة مخصوصة وسائر الناس ما أدركوا تلك الحالة المخصوصة استحال لهذا المدرك وضع لفظ لتعريفه، لأن السامع ما لم يعرف المسمى أولاً لم يمكنه أن يفهم كون هذا اللفظ موضوعاً له، فلما لم يحصل تصور تلك المعاني عند السامعين امتنع منهم أن يتصوروا كون هذه الألفاظ موضوعة لها، فلا جرم امتنع تعريفها، أما لو فرضنا أن جماعة تصوروا تلك المعاني ثم وضعوا لها ألفاظاً مخصوصة فعلى هذا التقدير كان يمكن تعريف تلك الأحوال بالبيانات اللفظية فهكذا يجب أن يتصور معنى ما يقال إن كثيراً من المعاني لا يمكن تعريفها بالألفاظ.
الحكمة في وضع الألفاظ للمعاني:
المسألة الحادية والأربعون: في الحكمة في وضع الألفاظ للمعاني: وهي أن الإنسان خلق بحيث لا يستقل بتحصيل جميع مهماته فاحتاج إلى أن يعرف غيره ما في ضميره ليمكنه التوسل به إلى الاستعانة بالغير، ولابد لذلك التعريف من طريق، والطرق كثيرة مثل الكتابة والإشارة والتصفيق باليد والحركة بسائر الأعضاء، إلا أن أسهلها وأحسنها هو تعريف ما في القلوب والضمائر بهذه الألفاظ، ويدل عليه وجوه:
أحدها: أن النفس عند الإخراج سبب لحدوث الصوت، والأصوات عند تقطيعاتها أسباب لحدوث الحروف المختلفة، وهذه المعاني تحصل من غير كلفة ومعونة بخلاف الكتابة والإشارة وغيرهما.
والثاني: أن هذه الأصوات كما توجد تفنى عقيبه في الحال، فعند الاحتياج إليه تحصل وعند زوال الحاجة تفنى وتنقضي.
والثالث: أن الأصوات بحسب التقطيعات الكثيرة في مخارج الحروف تتولد منها الحروف الكثيرة، وتلك الحروف الكثيرة بحسب تركيباتها الكثيرة يتولد منها كلمات تكاد أن تصير غير متناهية، فإذا جعلنا لكل واحد من المعاني واحداً من تلك الكلمات توزعت الألفاظ على المعاني من غير التباس واشتباه، ومثل هذا لا يوجد في الإشارة والتصفيق، فلهذه الأسباب الثلاثة قضت العقول السليمة، بأن أحسن التعريفات لما في القلوب هو الألفاظ.
لذاته معرفة الحق:
المسألة الثانية والأربعون: كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وجوهر النفس في أصل الخلقة عار عن هذين الكمالين، ولا يمكنها اكتساب هذه الكمالات إلا بواسطة هذا البدن، فصار تخليق هذا البدن مطلوباً لهذه الحكمة، ثم إن مصالح هذا البدن ما كانت تتم إلا إذا كان القلب ينبوعًا للحرارة الغريزية، ولما كانت هذه الحرارة قوية احتاجت إلى الترويح لأجل التعديل، فدبر الخالق الرحيم الحكيم هذا المقصود بأن جعل للقلب قوة انبساط بها يجذب الهواء البارد من خارج البدن إلى نفسه، ثم إذا بقي ذلك الهواء في القلب لحظة تسخن واحتد وقويت حرارته، فاحتاج القلب إلى دفعه مرة أخرى، وذلك هو الانقباض فإن القلب إذا انقبض انعصر ما فيه من الهواء وخرج إلى الخارج، فهذا هو الحكمة في جعل الحيوان متنفساً، والمقصود بالقصد الأول هو تكميل جوهر النفس بالعلم والعمل، فوقع تخليق البدن في المرتبة الثانية من المطلوبية، ووقع تخليق القلب وجعله منبعاً للحرارة الغريزية في المرتبة الثالثة، ووقع إقدار القلب على الانبساط الموجب لانجذاب الهواء الطيب من الخارج لأجل الترويح في المرتبة الرابعة، ووقع إقدار القلب على الانقباض الموجب لخروج ذلك الهواء المحترق في المرتبة الخامسة، ووقع صرف ذلك الهواء الخارج عند انقباض القلب إلى مادة الصوت في المرتبة السادسة، ثم إن المقدر الحكيم والمدبر الرحيم جعل هذا الأمر المطلوب على سبيل الغرض الواقع في المرتبة السابعة مادة للصوت، وخلق محابس ومقاطع للصوت في الحلق واللسان والأسنان والشفتين، وحينئذٍ يحدث بذلك السبب هذه الحروف المختلفة، ويحدث من تركيباتها الكلمات التي لا نهاية لها، ثم أودع في هذا النطق والكلام حكماً عالية وأسراراً باهرة عجزت عقول الأولين والآخرين عن الإحاطة بقطرة من بحرها وشعلة من شمسها، فسبحان الخالق المدبر بالحكمة الباهرة والقدرة الغير متناهية.
الكلام اللساني:
المسألة الثالثة والأربعون: ظهر بما قلناه أنه لا معنى للكلام اللساني إلا الاصطلاح من الناس على جعل هذه الأصوات المقطعة والحروف المركبة معرفات لما في الضمائر، ولو قدرنا أنهم كانوا قد تواضعوا على جعل أشياء غيرها معرفات لما في الضمائر لكانت تلك الأشياء كلاماً أيضاً، وإذا كان كذلك لم يكن الكلام صفة حقيقية مثل العلم والقدرة والإرادة، بل أمراً وضعياً اصطلاحياً، والتحقيق في هذا الباب: أن الكلام عبارة عن فعل مخصوص يفعله الحي القادر لأجل أن يعرف غيره ما في ضميره من الإرادات والاعتقادات، وعند هذا يظهر أن المراد من كون الإنسان متكلماً بهذه الحروف مجرد كونه فاعلاً لها لهذا الغرض المخصوص، وأما الكلام الذي هو صفة قائمة بالنفس فهي صفة حقيقية كالعلوم والقدر والإرادات.
الكلام النفسي والذهني:
المسألة الرابعة والأربعون: لما ثبت أن الألفاظ دلائل على ما في الضمائر والقلوب، والمدلول عليه بهذه الألفاظ هو الإرادات والاعتقادات أو نوع آخر، قالت المعتزلة: صيغة إفعل لفظة موضوعة لإرادة الفعل، وصيغة الخبر لفظة موضوعة لتعريف أن ذلك القائل يعتقد أن الأمر لفلاني كذا وكذا، وقال أصحابنا: الطلب النفساني مغاير للإرادة، والحكم الذهني أمر مغاير للاعتقاد، أما بيان أن الطلب النفساني مغاير للإرادة فالدليل عليه أنه تعالى أمر الكافر بالإيمان، وهذا متفق عليه، ولكن لم يرد منه الإيمان، ولو أراده لوقع، ويدل عليه وجهان:
الأول: أن قدرة الكافر إن كانت موجبة للكفر كان خالق تلك القدرة مريداً للكفر، لأن مريد العلة مريد للمعلول، وإن كانت صالحة للكفر والإيمان امتنع رجحان أحدهما على الآخر إلا بمرجح، وذلك المرجح إن كان من العبد عاد التقسيم الأول فيه، وإن كان من الله تعالى فحينئذٍ يكون مجموع القدرة مع الداعية موجباً للكفر، ومريد العلة مريد للمعلول، فثبت أنه تعالى مريد الكفر من الكافر.
والثاني: أنه تعالى عالم بأن الكافر يكفر وحصول هذا العلم ضد لحصول الإيمان، والجمع بين الضدين محال، والعالم بكون الشيء ممتنع الوقوع لا يكون مريداً له، فثبت أنه تعالى أمر الكافر بالإيمان، وثبت أنه لا يريد منه الإيمان فوجب أن يكون مدلول أمر الله تعالى فعل شيء آخر سوى الإرادة، وذلك هو المطلوب، وأما بيان أن الحكم الذهني مغاير للاعتقاد والعلم فالدليل عليه أن القائل إذا قال: العالم قديم فمدلول هذا اللفظ هو حكم هذا القائل بقدم العالم، وقد يقول القائل بلسانه هذا مع أنه يعتقد أن العالم ليس بقديم، فعلمنا أن الحكم الذهني حاصل، والاعتقاد غير حاصل، فالحكم الذهني مغاير للاعتقاد.
مدلولات الألفاظ:
المسألة الخامسة والأربعون: مدلولات الألفاظ قد تكون أشياء مغايرة للألفاظ: كلفظة السماء والأرض، وقد تكون مدلولاتها أيضاً ألفاظاً كقولنا: اسم، وفعل، وحرف، وعام، وخاص، ومجمل، ومبين، فإن هذه الألفاظ أسماء ومسمياتها أيضاً ألفاظ.
طرق معرفة اللغة:
المسألة السادسة والأربعون: طريق معرفة اللغات إما العقل وحده وهو محال، وإما النقل المتواتر أو الآحاد وهو صحيح، وإما ما يتركب عنهما: كما إذا قيل: ثبت بالنقل جواز إدخال الاستثناء على صيغة من، وثبت بالنقل أن حكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل فيه، فيلزم من مجموعهما بحكم العقل كون تلك الصيغة موضوعة للعموم، وعلى هذا الطريق تعويل الأكثرين في إثبات أكثر اللغات، وهو ضعيف، لأن هذا الاستدلال إنما يصح لو قلنا إن واضع تينك المقدمتين وجب أن يكون معترفاً بهذه الملازمة، وإلا لزم التناقض، لكن الواضع للغات لو ثبت أنه هو الله تعالى وجب تنزيهه عن المناقضة، أما لو كان هو الناس لم يجب ذلك ولما كان هذا الأصل مشكوكاً كان ذلك الدليل مثله.
من اللغة ما بلغنا بالتواتر:
المسألة السابعة والأربعون: اللغات المنقولة إلينا بعضها منقول بالتواتر، وبعضها منقول بالآحاد، وطعن بعضهم في كونها متواترة فقال: أشهر الألفاظ هو قولنا الله، وقد اختلفوا فيها فقيل: إنها ليست عربية بل هي عبرية، وقيل: إنها اسم علم، وقيل: إنها من الأسماء المشتقة، وذكروا في اشتقاقها وجوهاً عشرة، وبقي الأمر في هذه الاختلافات موقوفاً إلى الآن وأيضاً فلفظة الإيمان والكفر قد اختلفوا فيهما اختلافاً شديداً، وكذا صيغ الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، مع أنها أشد الألفاظ شهرة، وإذا كان الحال كذلك في الأظهر الأقوى فما ظنك بما سواها؟ والحق أن ورود هذه الألفاظ في أصول هذه الموارد معلوم بالتواتر، فأما ماهياتها واعتباراتها فهي التي اختلفوا فيها، وذلك لا يقدح في حصول التواتر في الأصل.
المسألة الثامنة والأربعون: منهم من سلم حصول التواتر في بعض هذه الألفاظ في هذا الوقت، إلا أنه زعم أن حال الأدوار الماضية غير معلوم، فلعل النقل ينتهي في بعض الأدوار الماضية إلى الآحاد، وليس لقائل أن يقول: لو وقع ذلك لاشتهر وبلغ إلى حد التواتر، لأن هذه المقدمة إن صحت فإنما تصح في الوقائع العظيمة.
وأما التصرفات في الألفاظ فهي وقائع حقيرة، والحق أن العلم الضروري حاصل بأن لفظ السماء والأرض والجدار والدار كان حالها وحال أشباهها في الأزمنة الماضية كحالها في هذا الزمان.
المسألة التاسعة والأربعون: لا شك أن أكثر اللغات منقول بالأحاد، ورواية الواحد إنما تفيد الظن عند اعتبار أحوال الرواة وتصفح أحوالهم بالجرح والتعديل، ثم إن الناس شرطوا هذه الشرائط في رواة الأحاديث، ولم يعتبروها في رواة اللغات، مع أن اللغات تجري مجرى الأصول للأحاديث، ومما يؤكد هذا السؤال أن الأدباء طعن بعضهم في بعض بالتجهيل تارة وبالتفسيق أخرى، والعداوة الحاصلة بين الكوفيين والبصريين مشهورة، ونسبة أكثر المحدثين أكثر الأدباء إلى ما لا ينبغي مشهورة، وإذا كان كذلك صارت رواياتهم غير مقبولة وبهذا الطريق تسقط أكثر اللغات عن درجات القبول، والحق أن أكثر اللغات قريب من التواتر، وبهذا الطريق يسقط هذا الطعن.
دلالة الألفاظ على معانيها ظنية:
المسألة الخمسون: دلالة الألفاظ على معانيها ظنية لأنها موقوفة على نقل اللغات، ونقل الإعرابات والتصريفات، مع أن أول أحوال تلك الناقلين أنهم كانوا آحاداً ورواية الآحاد لا تفيد إلا الظن، وأيضاً فتلك الدلائل موقوفة على عدم الاشتراك، وعدم المجاز، وعدم النقل، وعدم الإجمال، وعدم التخصيص، وعدم المعارض العقلي، فإن بتقدير حصوله يجب صرف اللفظ إلى المجاز، ولا شك أن اعتقاد هذه المقدمات ظن محض، والموقوف على الظن أولى أن يكون ظناً، والله أعلم.